داليا أمين أصلان :
أنا نوعا ما منحازة لبنات جنسي .
المبدع في الأساس شخص مُراقِب وراصد من الدرجة الأولى.
البذاءة دخلت على لغتنا اليومية بمدارسنا وبيوتنا وشوارعنا.
القاهرة :إبراهيم حمزة
صدر الجزء الثانى من رواية " المختلط" تحت عنوان فرعى "بنت محمود" للكاتبة المصرية داليا أمين أصلان ،ليجتمع شمل الرواية فى ستمائة صفحة، وتصدر عن دار نشر يديرها الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم ،الذى تحمس للرواية ، حين نشر الجزء الأول عام 2016م ،تقول الكاتبة على غلافها الخلفى "روايتى حدوتة متعبة وحلوة،بكيت معها وضحكت معها وسافرت وسخطت وفكرت واسترخيت،لدرجة أننى عاجزة عن كتابة فقرة تدعوكم لقرائتها " .. داليا خريجة كلية العلوم ،والدها كيميائى، حين سألتها عن علاقتهابه ردت: سأخبرك حينما أتوقف عن البكاء.
عملت لفترة فى مجال عملها ، ثم تزوجت ،ولديها أروة 16 سنة، وأدهم ٩ سنوات.. لم تقرر النشر بجدية إلا فى عمر الأربعين ،تقول إنها لم تشعر بأنه كان عليها النشر في عمر أصغر. حينما تنضج الثمار تشي رائحتها بجاهزيتها للتناول، بغض النظر عن، في أي فصل نضجت...
رغم بساطتها الظاهرية ، فكتابتها تشى بجهد خارق للسيطرة على هذا الكائن المتحول الخرافى المسمى بــ " الرواية" .
ــ هل يسعدك أم يخيفك قولهم "إن الرواية تؤرخ لمدينة المنصورة عبر تاريخها "؟
ـــ يسعدني ويخيفني، لكن يسعدني أكثر.
ــ الجزء الثانى لم يكن أمينا للمنصورة بنفس الدرجة..صحيح ؟
ــ كان اهتمامي الأكبر في هذا الجزء هو مآل تلك العائلة، وإلى كيف صارت أحوالهم، ومع ذلك فمصير المكان بالمنصورة موجود بالجزء، بل إن الجزء بدأ وانتهى في المنصورة.
ــ حقا .. كيف سيطرتِ على هذا الكم الهائل من الشخصيات ؟وكيف امتلأت الرواية -370صفحة- بآلاف الحوادث الصغيرة..من أين تأتين بكل هذا العنفوان –بتعبير نزار؟
الحقيقة أن السيطرة كلها تكون بيد الحالة التي تصيبني قبل الكتابة،تظل تتنامى وتسخن حتى تدخلني إلى ما كتبته فأبحث عن أين تركت الأشخاص، وما أن تتلاقى الوجوه حتى أسألهم: ها؟ وبعدين؟ ثم يأتي دور العقل في تبرير كيف ولماذا ومتى، لأنني أخاف من القراء خوفا شديدا، وعلى عقلي أن يجد إجابات وجيهة يقنع بها الذهن ويصدقها القلب. وعلى حسب الإجابات من شتى الجهات أكتب.
دعنى اعترف وأقول "للأسف الشديد محرضي على الكتابة ليس القراءة. لو أنني كلما قرأتُ كتبت، لتقلصت معاناتي. نعم أنفعل بالروايات العظيمة، بكتب التاريخ، بالفلسفة، علم الاجتماع، أعيشها، لكن ما أن تبدأ فقرة القراءة حتى تبدأ بالتوازي معها مرحلة المعنى، تكسير المحتوى إلى مفرداته، التأمل، العظة، رؤيتي لما أقرأ. ونادرا ما أتذكر أسماء الكتب، ومؤلفيها، بعد إغلاقها، إنما يبقى دائما شعوري بها، انصهار الحس فيها وتقاطعه أو تضاده مع أفكار ومشاعر أخرى حصلت عليها من كتب أخرى. وإن كان التحدث والاستماع، بشكل شخصي، في حوارات إنسانية عامة، إلى بعض الكُتّاب الأصدقاء، يثير بداخلي معانىَ تأملية مشابهة، معلومات، أسئلة، يضيئون في مخيلتي مراكز خافتة، مما يساعدني على فهم نفسي، والحياة، والكتابة من ضمن.
ـــ الجزء الثانى منحتيه اسم" بنت محمود" لماذا هذه العنصرية يا سيدتى؟ ود ثم بنت محمود؟
ـــ ربما أنا نوعا ما منحازة لبنات جنسي، نعم، ولكن لنكن منصفين، أليست "وِدّ" هي أصل سلالة مصطفى جلالة في الجزئين؟ من دونها كان الرجل سيموت بغير أثر أو ذرية، أو آكشن. كما أنها أول سيدة مصرية تسكن المختلط، ومؤرخة الأحداث للأجيال، والمحرك الخفي لمعظمها.ابنة محمود "الشعلا" هي المقصودة بالعنوان في الجزء الثاني لأنها مستقبل العائلة، أصغر فرد فيه، وامتداد ونتاج الثورة التي زرعها فهمي في المكان ومن بعده أحفاده، هي رمز من وجهة نظري. لا أدري حقا.. أنا لا أجيد لعبة تمييز چندرية الكتابة (جنس الكتابة ) حتى وأنا أقرأ لآخرين. "المختلط"، بعثها الله في قلبي على لسان امرأة.. وهكذا خَرَجَت .
ـــ شعرت أن غالبية رجال الجزء الثانى خونة وأنذال،ربما باستثناء يحيى والعم طيفور..هل شعورى خاطىء؟
ــ حتى النساء في الجزء الثاني معظمهن كريهات خبيثات، إنها سمة عصور النهضة والصحوة والانفتاح، وحتى الآن، الفساد. نعم الفساد قديم في كل مكان، لكنه أصبح شرسا في أيامنا هذه، ومتنوعا ومُعْدِيا ويطيب للكثيرين ممارسته من الصغار للكبار.
ـــ يشعر القارىء أن الجزء الثانى أكثر جرأة وحرفية وشجاعة فى التعبير اللفظى .. هل كتبت الرواية كاملة ،ثم نشرت على جزئين؟
ــ نعم، مكتوبة كلها في عام واحد، من أكتوبر 2014، وحتى سبتمبر 2015، ثم تمت مراجعتها حتى يونيو 2016، وصدر الجزء الأول في نهاية يوليو 2016. ولم أضع فيها قلما حتى صدر الجزء الثاني مطلع الشهر الماضي. أكثر جرأة في التعبير اللفظي، لأن البذاءة دخلت على لغتنا اليومية بمدارسنا وبيوتنا وفي كل الشوارع، فلماذا سيخرج ذلك الجزء بتهذيب العصر (الجزء) السابق؟
ـــ هل تشعرين أن الكتابة تمثل رسالة أو هدفا أو قيمة حالية يمكن التوقف عندها؟ وكيف هى أسرتك فى وجهة نظرها للأدب ؟
ـــ أسرتي كلها تقريبا كتَبَتْ. أبي، أمي، أخواتي، ابنتي، زوجي. جميعهم في مرحلة من حياتهم كتبوا اليوميات، الذكريات، الرسائل، الوصايا، الأمنيات، ربما الوحيد الذي ظل يدوّن أمورا لنفسه حتى مات هو أبي. فأنا أكتب منذ سن مبكرة، في جو ملؤه الإذاعة، والصحف، وكتب الأدب. القراءة والكتابة إجراء روتيني يومي عادي. وحينما تطورت الكتابة معي لوضع احترافي لم يشعر أحد بذلك، ومن شَعُرَ لم يعترف، لم يكترث، كان الظن دائما أنه "عَرَض" وسيزول بزوال المؤثر. أو "بدعة"، "تقليعة". أبي، رحمه الله، في مرحلة سابقة، وزوجي من بعده، اهتما بمعرفة لماذا أستمر في الكتابة؟ مِمّ أشكو؟ هل قصّرا في توفير حياة نفسية آمنة، ومستقرة، لي، لتستمر الأزمة؟. تلك النظرة كانت تحاصرني، تحزنني، فمن الجائز جدا، والجميل أيضا، أن أكتب وليس في حياتي مشكلة. في حين اعتنت أمي وقت النشر أن تعرف ماذا سأعلن للملأ؟ أسرارنا؟ عاداتنا؟ من سأهجو؟ هل سأفضح عالمي المخفي عنهم؟ وهكذا..معارك هادئة طويلة مؤلمة مبعثها الحب أولا، ثم الجهل بالغيب.هل تظن في مثل هذا الظرف يمكنني تحديد هدف ورسالة الكتابة؟
ـــ هل تخشين مراقبة أولادك وأسرتك لما تكتبينه؟
ــ إطلاقا
ــ الخبرات التى ظهرت فى الرواية :عمل الصيدلى والكوافير،أحداث الثورة،ليبيا ، كيف تجهزين – معلوماتيا لعملك الإبداعى ؟
ــ أنا خريجة علوم، عملت في مجال الطب والتحاليل والصيدلة لفترات، وامرأة، أدخل الكوافير، ومصرية، عاصرتُ الثورة، وابنة كيميائي عمل بالكويت وليبيا والسعودية وفي صحاري مصر العربية،رواياته عن الأماكن والأحداث والأشخاص مازالت بداخلي، ومن جوجل تأتي البقية. والمبدع في الأساس شخص مُراقِب وراصد من الدرجة الأولى، يلاحظ التفاصيل رغما عنه ويظل يتذكرها للأبد كاللعنة، حتى يتخلص منها بالكتابة.
ــ هناك أجزاء من الرواية طغى فكر وثقافة الكاتب على ثقافة وفكر الساردة.. هل توافقين ؟ ــ نعم ،لأنه أصبح في الرواية مثقفون. لديك في هذا الجزء جيل كامل ثوري وهو مثقف بعمق مخيف، ولديك أستاذ جامعي يساري، ورجل جيش متقاعد. كان من الطبيعي أن يطفو على السطح من وقت لآخر فكر المثقفين.
ــ فى أكثر من مشهد فى الرواية تبدو شخصية الراوية مسالمة ومثالية، تستمع لاتهامات ضدها ولا ترد ..هل تفكرين فى استخدام الضمير الغائب فى رواية قادمة ؟
ــ مسالمة ممكن، هي امرأة تقدس العيش وتحب الحياة، وتسعى للمتع بأقصر الطرق وأقلها صدامية. إنما مثالية؟ لا أظن، كانت لها أخطاؤها وسقطاتها الواضحة.
- ماذا تأملين من الأدب؟
ــ متعة الروح
ــ ماذا عن مشروع قديم لتحويل الرواية إلى دراما؟
ــ هي قيد التصوير حاليا
ــ من أول من يقرأ لك ؟ ــ غادة.. أصغر أخواتي
ــ هل لك قراء يبدون رأيهم فى إبداعك قبل نشره؟
ــ أمي وصديقتين روائيتين.
ــ هل انتشار الرواية والاحتفاء بها يخيفك أم يسعدك ؟
ــ الاثنان معًا.. وإن كان الخوف أكثر.. هل تراها انتشرت حقا؟


