مبارح، أول مرة من زمان أشوف في شارعنا شيخ بعِمَّة وكاكولا، من أيام خال أمي، جدي يسري الله يرحمه.
كنت بستنى دخلته الحي وفي إيده شنطة سفر خشب، وشمسية بيضا أو سودا.. يضحك ويسألنا بنلعب ليه في الحر دا، يسألني نينا الحاجّة طابخة إيه.. ما كانش بيقول لهم راجع من الصعيد إمتى، كان واعظ في الأوقاف.
اسيب اللعب وأنط وراه على السلم.. كان طويل وخفيف.. خطوته موزونة وسريعة. جوة البيت يفضل يهرب مني عشان يغير هدومه.. وأنا ألاحقه علشان أفتش الشنطة على التذاكر الكرتون. وقت الاكل يعملني ريموت التلفزيون، مع إنهم كانوا قناتين بس، يضحك على اسماعيل يس لحد ما يشرق، وبعدين يقولي خدي، يديني شريحة البطيخ ويوصيني ما أوقعش لب بطيخ على الأرض، نينا بتتعب ف المسح.
يغسل إيده ف الحمام وانا بفتش جيوب القفطان عن سكر نبات. كان يبتسم ويقول: "دعباسة .. مفيش فيكي فايدة"، يمسح الفوطة على دقنه ويقول لي: "ماشي يا بنت صفاء.. أبوكي بعت جوابات الأسبوع اللي فات ولا لا؟".
لما كبر.. وأنا كبرت.. كنت ف الجامعة.. في الصيف.. لبس الزي الأزهري، وقال لي تعالي معايا، أول مرة انتبه دلوقتي إن عمري ما شوفته ف قميص وبنطلون، لاقيته هايروح يدفع فاتورة التليفون، كانت الخشونة تعبته كتير.. بيربط ركبته بحاجات كتير فوق الدوا، ربطهم يومها بردو، نينا عارضته، قالت له واحد م الصبيان يدفعها، تقصد ولادهم، وكانوا رجالة طبعا.
قالت: خدوا تاكسي يا شيخ يسري.. يا داليا.. قلت لها حاضر.
ف الشارع رفض بشدة أي مواصلة، مشينا ربع ساعة، عدينا خط القطر، وبعده كمان نص ساعة، وقفني ف الشباك دفعت الفاتورة، ورجعنا بخطوة أبطأ من اللي روحنا بيها. علامات الألم والعرق كانوا على وشه، وقالي أنا من الناس اللي لو بطلت تمشي تموت، ركبي هتخف لما امشي.
حكي لي عن البلاد اللي أَمْ الناس فيها بالصلاة، وخطب فيهم الجمعة..عشرات المرات من الخمسينات للتمانينات، ساعات كان ما يلاقيش فيها مواصلات، يرجع المنصورة مشي على رجليه.. خصوصا سنين الحرب.. مع الجنود.. أو المساجين.
كان دا آخر مشوار شوفته فيه ف الشارع.. الدكتور منعه م المجهود، بعدها بسنين شوفته في نفس الشارع أودام نفس البيت، في كفن.
.jpeg)