مقدمات الكتبر

 مقدمات الكتب، في بعض الكتب، خاصة الروايات، قد تعدل قيمة الكتاب نفسه، بمعنى، أنني أنفعل، وأمتليء بها، حتى لو لم أقرأ الكتاب نفسه.

منذ أكثر من ستة أعوام، من عمر ولدي، قرأت كتابًا من ألف صفحة، مقدمته لم تتخطّ المئة لكنها هيأتني نفسيًا وذهنيًا لفهم بداية عصور الرأسمالية، وتعاسة الأدباء في ظلها. "سيس كاري"، أو الأخت كاري هو اسم الكتاب، ولم أعد أذكر اسم المؤلف الذي لم يكتب غيره، ونشرته زوجته بعدما مات.
في العام الذي تلاه قرأت "صفية والدير" لبهاء طاهر، ولم أعرف قبلها من هو بهاء طاهر، بل وفتحت الكتاب مضطرة، حين وقع في يدي بالصدفة في ظرف عسِر، أجبرت نفسي خلاله على القراءة العشوائية لأنسى.
تحدث الرجل عن أمه، والصعيد، وقاهرة الملك ثم الستينات. بكيت. وجدتني في نهاية الأربعين ورقة وقد جلست مع طاهر الشخص وليس المؤلف، استمعت إلى حديثه بصوته، باحثة بداخلي عن ترتيب للعاصفة الإنسانية الكثيفة.
منذ عامين قرأت على صفحة السيدة إيمان مرسال تعقيبًا حميمًا عميقًا حول كتاب صنع الله إبراهيم "تلك الرائحة" وكان بمسلسل "ذات" قبلها ما جعلني أقف عند أدب الرجل طويلًا. حصلت على نسخة إليكترونية من "تلك الرائحة" بلا مقدمة، شدني على طاولة تعذيب مكينة، كنتُ أنتفض للهمس قبل الصفعات. الليلة، بالصدفة، وقعت في يدي نسخة بمقدمات عدة، وليس واحدة، لصنع الله اثنتين بتواريخ متعاقبة، تتضمن رأي يحيى حقي في العمل، وواحدة ليوسف إدريس، لم أتمها بعد.
طفرت الدموع من عيني لا بكاء ولا فرح، قشعريرة، حينما يقدم الشخص لنفسه بهكذا بساطة وتعقيد، غُلب وذكاء، تواضع وثقة، بصيرة واستسلام، تشعر بأن التناقض ليس منفّراً، والعظمة ليست مستحيلة.
أشكرهم جميعا بعجز
وأشكر الصدفة
وأشكر الله
تحميل تلك الكتب ولو لقراءة المقدمات فقط سيغير شيئا في مداركنا. بيئات الكتابة، ونفسيات الكُتّاب من الأمور القليلة التي يهتم لها القاريء العربي، وهي حالة قيّمة أولى بحواسنا لو تعلمون.