داليا أصلان: أكتب الرواية لأنها الأقرب للفطرة الإنسانية
هنا نطرح سؤالًا على عدد من الكتاب الذين ننشر إجاباتهم تباعًا: لماذا لا يكتب الروائيون الشعر؟
داليا أصلان:
تخيل أنك تقيم بيتًا من عناصر الأرض الأصلية الحميمة؛ طين النهر، حجارة الجبل، جذوع النخل، ثم تتوسع أفقيا على نفس الأرض بمرور الوقت، وتكاثر المقيمين. فتبنى غُرَفًا إضافية، على الجنب، وإلى الخلف، وإلى الأمام، وساحة للعب، وتعريشة سَمَر، وتجيبك الطبيعة بأن تنمو قرب نوافذك شجرة لبلاب تسكنها العصافير والنحلات. هذه هى الرواية فى نظرى، بسيطة، مريحة، تنبض بالحياة.
على الجانب الآخر، تجد الشعر والقصة القصيرة يقفان كأبراج البابليين، ومسلات المصريين القدماء، بناء هندسى دقيق له وزن وقافية وقوانين محددة تجعل مساحة الاتساع فى الأرض محكومة، ضيقة، فيكون قدر المبدع حينها أن يستطيل للأعلى، نحو الغيم، على نفس النهج بتكرار الطريقة، وزيادة الزخرف اللغوى، ليعبر عن نفسه، لا أن يسعى فى الأرض سردًا كما يفعل الروائى.
أقول هذا وأنا امرأة جرَّبَتْ كتابة شعر النثر، والقصة القصيرة، ثم وجدت راحتها التلقائية فى الرواية. من السهل جدًا أن تنتقل من زيك الرسمى اللامع المحبوك إلى جلبابك المحلى الواسع اللين الذى يعبر عنك، ويسمح لك تمامًا بمساحة أكبر، على أرضية الحكى، من الشبع والامتلاء.
أعود للشعر أحيانًا لتهذيب الذائقة، وإمتاعها بالفكر والمشاعر المكثفة فى كبسولة من قصيدة، أو قصة قصيرة. أو أعود إليه أحيانًا أخرى لأجدد لياقتى فى الاختصار، وصيانة مهارة دس الحكمة الكبيرة داخل عبارات قصيرة. لكننى أبدًا بعد أن مارستُ الرواية لم أفكر ثانية فى كتابة الشعر، لم أعد أشعر بحاجة لذلك، مع انبهارى طبعًا، وحرصى على متابعة بعض الشعراء الرائعين، الذين يجيدون صنعتهم بعمق وتمكن عظيمين. الرواية هى الأصل، وهى الأقرب للفطرة الإنسانية، وهو عمل أظن أن بمقدور معظم الناس ممارسته ببعض من الفن والتمرين، وأولهم الشعراء.
