جريدة القاهرة عدد الثلاثاء ٩ يناير 2018
*********
في النهاية، وحسما لتلك المعارك الغوغائية الصغيرة التي تنشب بين السيدات على الكراسي، قررتُ أن أحمل كرسيي الخفيف، القابل للطي، معي إلى النادي، في كل مرة أصطحب طفلي إلى تمرينه.
الكاراتيه لعبة مقدسة في نظري، لها طقوس وأدوات خاصة، حركات مدروسة منظمة بين الهدوء والسرعة تضعك مباشرة داخل مشهد لراهب مقاتل. أحبها حقا، وأحب الفرجة على إبني وهو يمارسها. أقف أمام النافذة الطويلة المطلة على قاعة التدريب مأخوذة بانخفاض جذع المدرب الخمسيني نحو البساط، ثانيًا ركبتيه في زوايا قائمة مضبوطة محركا يديه ببطء أفقيا، في توجيه روحاني لتلامذته ليقلدوا أداءه فيتقنوا الكاتا. كنتُ أفكر في كم أن الرياضة لغة عالمية يتحدثها ممارسي اللعبة الواحدة في كافة بلاد الأرض، حينما شعرت بيد تهز ساق الكرسي البارزة، الذي أحمله ضمن حقيبة ظهري المعتادة.
"ما خلاص يا ستي بقى وسعي على جنب البتاع بتاعك دا هايدخل في عيننا"
كانت تجلس خلفي تماما، ضمن حلقة من ستة أو سبعة سيدات فوق كراسيهن حول الشباك. لا يتابعن اللعبة، فهن بين منكبة على كفها تلتقط حبات اللب، وبين رافعة رأسها تتحدث وتضحك وتبصق قشر اللب على الأرض خلف كرسيها. حاولتُ الخروج من تلك الحلقة بأقل خسارة ممكنة، إذ أن "بوز رجل الكرسي" قريبة فعلا من وجوههن.
مع اقترابي من نافذة أخرى قريبة من البساط الذي يتمرن عليه ولدي، وجدت الحلقة الجديدة هذه المرة مكونة من "جلسة سحلب" إذ أن الشتاء يحب السحلب كما قالت إحداهن، اقترب طفل يلهث داخل چاكيته الشتوي المنفوخ، قال:"كمان واحد يا ماما"، لأجد الأم فتحت كيسا قاتم اللون تفوح منه رائحة الصلصلة بالبصل، ودست يدها فيه وأخرجت "صباع محشي كرنب" وضعته بسرعة في فم طفلها الذي بادر بالعودة للعب في التراب كما كان يفعل منذ قليل. فتحت جارتها حقيبة قماش تشبه حقائب التسوق القديمة، وأخرجت علبة ثلاجة، وبدأت في فتحها، "شوكالاتة وبرتقان.. اللي عايزة أبيض تقول، واللي عايزة كيكة سودا تقول". بالعلبة قطع كعك مضغوطة متلاصقة، دبت المرأة يدها وصارت تخرج القطع في اتجاه جليساتها "إلحقوا كلوه مع السحلب"، وفي كل مرة تتناول فيها قطعة تهزها في الهواء لتخلصها من "الفرافيت"، فتقع تلك الفارفيت على الارض حول الكراسي التي يجلسن عليها.. الحقيقة أن المنظر أصابني بالغثيان، وفصلني عن مراقبة اللعبة.
عند الشباك الثالث كانت امرأة تقف بين خمسة كراسي تعرض على الجالسات ملابس داخلية نسائية، وبيچامات، وملاقط شعر، ومفارش سراير، وجوارب، وشباشب، ومحافظ نقود، لم أقترب حتى من الشباك، لم أجد مكانا أفرد فيه كرسيي لأستمتع بمشاهدة التمرين.. وليكن.. طالما أنا في النادي فما المانع من أن أستفيد من النزهة وألِفّ التراك مرتين أو ثلاثة لأحرك الدورة الدموية، وأشغل الوقت حتى ينتهي التمرين.
"مدام، مدام، استنيني يا مدام"
لم أخطيء النداء، كنت أعلم أنها تناديني إذ لم يكن غيرنا في التراك، ومع ذلك تصنعت عدم سماعها فلربما تغير رأيها. استمرت في مناداتي، والركض خلفي حتى وصلت وأمسكت بذراعي، قالت:"معلش ساعديني". رفعت بلوزتها وطلبت مني أن أظل ممسكة بها لأعلى ، ثم رفعت بنطلونها أيضا وحاولت ضم طرفيه لبعضهما حتى تتمكن من إدخال الزر في عروته، ولما فشلت قالت لي:"شدي معايا"، فتركت بلوزتها لها وأمسكتُ بطرفي بنطلونها لأغلق الزر. بعد جهد جهيد، وعرق وشفط بطن ومحاولات انغلق الزر.
انتي عضوة هنا في النادي؟
أيوة
أول مرة اشوفك في التراك يعني
(لم يكن لدي إجابة)
أنا كل يوم هنا، أصل دكتور الريچيم كاتب لي على نص ساعة مشي كل يوم، دا تالت يوم
(أيضا لم تكن لدي إجابة)
بنطلوني والله كل يوم بيدخل فيا عادي، غيرش النهاردا الكوسة بالبشاميل عاملة عمايلها مع القولون
والدكتور سامح بالبشاميل مع الريچيم؟
ما سألتوش، بس يعني وهو البشاميل فيه إيه يتمنع، ثم إنه مع كوسة، والكوسة أساسا بتخسس
لم أجبها بشيء، ظلت تلهث وهي تثرثر بجواري حول المفيد والصحي، والنشاط والجمال والشطارة في شغل البيت، وكسب رضا الزوج، والعيال اللي مغلبينها، إلى أن توقفتُ لوهلة ورأسي يدور، من أنا؟ أين أكون؟ مَن هذه المرأة؟، ماذا نفعل هنا؟
انفك الزر مرة أخرى و"ساعديني يا أختي"
تعللت لها بأن تمرين ابني قد انتهى وعليّ الذهاب قبل أن يخرج ولا يجدني فيقلق.
تركتها وعدتُ للصالة أتأمل القمامة تحت وحول كراسي السيدات بعد أن غادرنها. رأيت العاملة تطوف باستسلام بالمقشة حول الساحة تجمع نفايات أكياس البطاطس والمحشي، وأكواب القهوة والسحلب.
"الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا.." وبدأت بالضحك من الغيظ .."شعبا يذهب إلى تمرين الكاراتيه"