نفيسة - المختلط

 نفيسة الأولى، أم ميرفت، شقيقة عفت، وابنة الحاج عبد الرزاق، ماتت في حياة أبويها وهي تضع ابنتها الوحيدة.

حدث ذلك بعد أن تركت جدتي ود الحسينية بأربعة أو ستة أعوام، وكما تجري الأمور عادة ترك الشيخ عبد الراضي ابنته لدى جدتها مسعودة (زوجة عبد الرزاق) ورحل، على أن يرسل لهما ريالا كاملا كل شهر نفقة البنت. كان الاتفاق أن يضمها إليه بعد سبعة أعوام حيث تستطيع الاستغناء عن جدتها أم أمها، لكنه لم يعد، مات هو أيضا بداء تفشى بإحدى المديريات التي يعظ فيها، ذلك بعد أن تزوج من مطلقة ثرية في قريته وانجب منها صبيين.
تاهت مسألة الميراث، نفيسة الأم لم يكن لها مال عند أبيها. ثم زيد الطين بلة بعد كلام أرملة والد ميرفت.
"موظف الأزهر تعويضه مش كبير.. خدوه لو عايزينه.. أنا بربي عيالي بفلوسي .. عبده ما سابش حاجة".
فلم تنل الطفلة مالا من هنا أو هناك.
حزن جدي وجدتي لمصير نفيسة وابنتها، لكن أحدا لم يملك تحريك ساكن، آدي ألله وآدي حكمته.
قالوا أنها أحبت عمي صلاح، خاصة حينما انتقلت في سن الصبا للمختلط، كان عبد الرزاق قد شارف على الموت، سبقته زوجته، وأوكل أمر نفيسة الابنة إلى عفت.
"انت المتعلم الوحيد في اخواتك، حق دهب امها وستها حطيته في التجارة بإسمها، فلوسها معاك تدورها لها معاهم، تحاسبهم بالسحتوت، يوم جوازها تسلمها مالها ما ينقصوش مليم" عبد الرزاق.
أعجب عفت بالفكرة، هو الذي كان قد انقطع ذكره ورسمه من وكاله أبيه أعواما طويلة بعد القسمة، أخيرا أوُجِد له السبب الذي سيزرعه بينهم من جديد، وعلى هيئة رقيب.
"يا بنتي عمك صلاح متصاب من ايام العسكرية .. كنت اسمعه يبكي.. واقول له يا قلب امك ما تتجوز وخلاص، هو حد عارف حاجة؟ .. يقول لي وربنا يا ماما؟ أعذب بنات الناس معايا؟ .. حرام .. أقولكيش على حاجة أنقح؟ .. بيتهيأ لي ان امك كانت بتحبه هي كمان .. " جدتي.
"لا لا لا يا تيتا عيب .. ماما طول عمرها تحب بابا .. المشكلة اللي بينهم من زمان ان نفسها نعيش في القاهرة .. انما هي بتحب بابا .. ". أنا.
***
فهمي صنو ذلك الجيل، كان أكبر من عمي صلاح بعامين أو ثلاثة. أتى من المجهول ليصبح طرفا في حياتنا ونصبح صلبا في حياته. أطلقت الشرطة سراحه بعدما راسلت جميع القنصليات أو القائمين بأعمالها بصوره، فلربما قيدته إحداهن في قوائم المفقودين.
كانت الحرب العالمية الثانية على مشارف الانتهاء، أو انتهت تقريبا ووقف العالم مكانه يلهث ويتفقد أجزاءه المبتورة، أوروبا تعد خسائرها، وألمانيا تتجرع ذل ما فعله هتلر بهم وبالثلاث قارات. هل كان سيرافينو يهوديا يحاول إنقاذ والتستر على صبي يحمل ديانته؟
هل كان يخطط لحمله معه إلى موطنهم الجديد يسرائيل خصوصا حينما أشيع أن حتى يهود مصر كانوا يعلمون مسبقا بنتائج 48 التي حسمت لصالح الدولة الجديدة؟
إذن لماذا المهدئات؟
هل شارك في الحرب ولهذا عولج بالمهدئات؟، سنه كان أصغر من التجنيد، سمعت أنهم كانوا يجندون حتى الأطفال. إنني أرجم الغيب، بضرب الودع كما نقول في العامية..
"طب ليه عم سلطان بالذات يا بابا؟" أنا.
مط أبي شفته " كان هو الوحيد اللي فهمي يعرفه، كان بيشوفه اوقات من شباك اوضته اللي اتحط فيها، كان بيعجبه صوته، وقفطانه المخطط من ورا حديد السور".
سلطان رجل أربعيني، يبيع البسبوسة، وحينما يئست الشرطة من أن تجد للصبي مخرجا أو توصيفا أعادوه إلى حيث كان، وقالوا: اللي سابه هنا، أكيد هايرجع يدور عليه. ولما لم يعد أحد للبحث عنه ، ارتفعت مع الايام أسهم قصة صديق سيرافينو بأن الفتى كان مجلوبا للمتعة المحرمة في السر، وبدأت المعاناة.
# وِد
# المختلط