نَص كلمتي التي ألقاها عني مشكورا أ. محمد الروبي على الحضور ضمن فعاليات الاحتفال بالكتاب الجديد:
" الحقيقة أنني عندما قرأتُ إعلان الورشة أول ما قرأتُه ظننتُ أن أولاء القوم يعبثون. أحقا يريدوننا أن نكتب عن المتحف والمكتبة والمسرح؟ إنها كلمات انتهت من ضروراتنا منذ أعوام.. هذا بالإضافة إلى أن الإنترنت والإذاعة والمطبوعات هم من مُسَلّمات حياتنا اليومية التي نمارسها بدون الحاجة للوقوف على معانيها.
المعارف والأصدقاء؟ فعلا؟ إنهم أناس نعرفهم (والسلام). ماذا سأكتب عنهم؟
التلفزيون؟ أنا أكرهه أصلا.
ثم.. المدرسة؟.. لحظة.. نعم.. أنا أرسل إليها أطفالي مضطرة، لو أن هناك طريقة لأعلمهم الفكر والعلوم بدون الذهاب إليها لفعلت. ثم فتحت ملفا على حاسوبي ورغبت في أن أكتب كلاما مقاليا مقعرا عن قصور المنظومة. ثم عدلت عن رأيي وقررتُ أن أسخر من نفسي كولية أمر، ومن إدارة المدرسة وهيئة التدريس والكتب الدراسية. ثم قفزت إلى ذهني فجأة ذكرى صديقتي التي جلست بجواري لعام واحد وأنا صغيرة وكانت خرساء. ووددتُ لو خلدت ذكراها بكتابة موقف يطبع على الورق.. ثم تخيلتها تقرأ ذلك الورق، ثم لدهشتي لم يعد ملتبسا عليّ الأمر.. أريد هذا.، والآن. كتبتُ وكأنه باب عالق في فضاء قلبي منذ عامها يريد أن يُفْتَح. بكاء متأخر لم أبكه يوم عاقبوها بغباء أمام الفصل، وضحك مؤجل لم أضحكه يوم انتصرنا على مَن تنمّروا بنا.. أشياء أحببتها والخجل والارتباك منعاني من التعبير عنها في حينها، وأشياء كرهتها، وكرهتُ كراهيتي لها..
حينما انتهيت من تلك الكلمة وجدتني وقد تخلصتُ من ثأر قديم ضايقني لعقود دون وعي مني، وحظيتُ بنافذة جديدة في جدار نفسي تطل على مساحة بيضاء حيادية، تسألني أن أكمل ما بدأت.
مع الكلمة الثانية، وجدتني أتذكر أحداثا وأماكن وأشخاصا كانوا ذات يوم ملء بيت أبي، ومن قبله جَدّي، ضحكات وأفراح ومواليد وأعمال وشهادات تخرج.. وشعرت أكثر بالراحة.
مع الكلمة الثالثة جرفني حماس رهيب، ومع الرابعة استقرت المتعة.
بقية الكلمات سَرَت من بين أصابعي، نابعة من قلبي، قبل أن أفكر فيها أو أحسب كيف سأبدأها ومتى سأنهيها. وعندما وضعت أخر نقطة في الكلمة التاسعة شعرت بحزن لفراق هذا المشروع. وأُفاجَأ بالأستاذة فتحية الحداد تقول لي في رسالتها: خسارة، ليتني زدتُ الكلمات واحدة. وأجيبها في سري: نعم، ليتكِ جعلتِهم عشرين.
سألوني منذ أيام عن هذه التجربة فقالوا: الوا: هل تظنين أنها مفيدة للتطبيق في المدارس؟
فأجبتهم: أجل، وفي الجامعات، والعيادات، والبيوت، والمساجد.. إنها "نحن" المقفولة على قوالب تعيسة، محرومة من أحاديث الحِسّ والتعبير. خيرات نسيناها، وكلمات مهمّة مسخناها في استهلاك مقيت، وتسليع أعمى، حتى فقدت في نفوسنا معانيها.
أشكركم بحرارة
وأعتذر عن عدم حضوري لمانع صحي. إذن لكنت معكم، أشهد تنفس ذلك الإصدار العظيم بين أيديكم اليوم سليما معافى.
داليا أصلان "
# امنحني تسع كلمات