"اتجوزتوا؟" قالها شعبان غير مصدق، يحاول فهم ما قلته.
"اتجوزتوا؟" كررها.
لم أشرح، كان علاج دهشته آخر ما يشغلني، سألته أن يحضر دفتري البنكي من دولاب جدتي، ويلاقينا في القاهرة قبل أن ننطلق حيث سنذهب، ووافق.
على بوابة مدينة الملاهي كان الصخب أقل من الداخل. موسيقى وصراخ وفرقعات نارية تومض هنا أو هناك، أضواء كثيرة وصفارات ألعاب تبدأ وألعاب تنتهي. إحداهن تذيع أشياء روتينية على نظام الصوت في المكان. تمثال سندباد صبي الكارتون السمين تزيّن البوابة. تأملت المرأة الضخمة ذات التنورة الخشبية الملونة تدور بالراكبين مبتسمة كبلهاء.
"مستحيل.. ماتت؟" قلت.
"انتحرت.." قالها شعبان وكالعادة يده فوق صدره.
يزمر سائق السيارة الأجرة الذي ينتظرنا حتى آخذ أغراضي من شعبان، يريد أن ينطلق. ودّعني شعبان فجأة بتربيته على ظهري، و"ألف مبروك"، يصافحه يحيى في تلك اللحظة ثم يسحبني من ذراعي نحو السيارة، ألتفتتُ لشعبان مجددا غير مصدقة ما سمعته، يقول من بعيد: "مع السلامة يا بنت سيدي".
في الطريق، عدت للبكاء الحزين، المقهور، ها هو آخر جزء عاصرته جدتي وِدّ مات، لحق ببقية الجسد القديم الذي صنَعَته في المختلط كلمة كلمة، ضحكة ضحكة، حيلة حيلة. عالم كامل يختفي، آخر قطعة تنهار فيه هي سناء. لقد تعاملتُ مع المختلط والمنصورة بعد هذا الخبر بجفاء عجيب، وكأنها لم تعد مسقط رأسي.
أخبرني شعبان بعد أعوام من ذلك اليوم أنه أخبر هدى بأنني وجدتُ عملا خارج مصر، وأريد أوراقي التي مازالت في شقة جدتي، فأعادت فتح البيت وسلمته الأوراق ليوصلها لي ليلة الملاهي. وكانت قد أغلقت البيت بعد أن نظفته من آثار موت سناء التي اكتشفوا جثتها بعد انتحارها بأيام.
عدد لا بأس به من أبناء وأحفاد كلب شعبان الذين استوطنوا المكان اهتاجوا في نباح جنائزي حول البيت أزعج الجيران. لاحظت هدى تمركزهم حول البوابة، وفوق قصر سيرافينو ينوحون ووجوههم نحو بيتنا. فتحت هدى باب العمارة وكان الظن أن أحد الجراء الوليدة عالق هناك. جرت الكلبة التي كانت تخشاها سناء نحو الطابق الأخير، نبشت باب الشقة وشمشمت. وكان صعود أحد البوابين حيث تنبح الكلبة بصوت مرتفع كفيلا باكتشاف الرائحة وطلب البوليس.
نزل الجسد الجميل منتفخا على نقالة الإسعاف في وَضَح النهار، وسألت نفسي هل أشفق أهل الحي عليها؟ هل طلبوا لها الرحمة؟ أخبرني شعبان أن صفاء بكت. وأخبرتني صفاء أن نفيسة بكت.