لم يعد بإمكاني حَمْلُ حياتي بهذا العدد من الوجوه.. وأثقلهم وجهي.
..
أنام في السابعة، الثامنة، التاسعة.. أستيقظ في الواحدة صباحا، لو وصلتُ للثالثة أكن من الشاكرين. يقولون أن الله يفعل ذلك بنا لننهض، فنسبحه. يشتاق لدعائنا، لشكوانا..
كنتُ في الثلاثين أسخط. أي رب يوقظ عباده ليستمع إلى عذاباتهم؟ لو تركنا للنوم لكان أكرم..
في الأربعين اكتشفتُ أنني أسعى خلف أحبتي بإلحاح لاستمع لمواجعهم، وكأنني أأتنسُ بها، وبهم. وكأنهم يخصونني بأكثر مواضع نفوسهم بياضا وصبرا، الوجع..
لهذا، ربما، يوقظني ربي كل ليلة على ذاك الصداع، لأشكو إليه، منفردين، بقية الفقد، والوهن، والمرارات، وثآليل الطريق.
*****
حينما كانوا صِغارا، كانا كدُبّيْن رضيعين أحاول تعليمهما تسلق الشجرة. فالأرض موقع خطر.
مكثنا على الجذوع معلقين ألف يوم، نتشبث، نتقدم، نقع. كانت روحي وأظافري تخمش الخشب لتترك علامة بجوار علاماتهم الطرية، الشهية. نرتفع. نقع. كانت روحي تهبط معهم، تلهث، تضحك: أعِد المحاولة..
في الألف الثانية أخبرتني الكبرى أن الحيايا أيضا تسكنّ الشجر، فأجبتها بأنني أعلم.. وأرْدَفتُْْ: والنحل أيضا، والعسل.. خوضي التجربة
دَخَلَت الماء وقالت: دعيني إذا أختار معركتي، أنا أجيد السباحة ..
تحوّلَت إلى حوت يافع.. يلوّح لي من بعيد.. هاديء.. سلس.. بقدر ما أشتاق إليها، بقدر ما أخشى عليها الشاطيء.. ملحي الجاف ليس لمثلها.
في الألف الأخيرة اختار الصغير أن يكون زرافة.. كلما كبُرَت طالت، وصارت أبسط عملية بديهية يومية عليها عسيرة.. أن تشرب الماء.
اللهم إني أغرق في الأولى
وأعطشُ مع الثاني
فإليكَ أوكلتُ الأمر كله..